دلف رسام نحو غابة يتوسط أشجارها كوخ بدا له مهجوراً. في ساحته، رأى حبلغسيل ممتداً من جذع شجرة إلى آخر وداخل الكوخ على المائدة طبق فيه ســمكة كبيرة مقلوَّة وكذلك شرائح بطاطا بطبق آخر.
خرج من الكوخ ولم يطبق الباب وراءه. ترك سيارته في الساحة واصطحب أدواته وسلك طريق النهر. في ساعة الشفق وهي ساعة اقتراب الغروب، ما لبث أن ثبــت لوحته حتى راحت يده تخط الشمس قبيل غروبها.
حين انتهى من الرسم وهمَّ بالعودة إلى الكوخ، حمل لوحته وأدواته ومــا إن مشـى مسافة حتى أضاعه دربه فهيمنت عليه الريبة. منهكا أخذ يمشي على غيــر هـدىً ومهرولا ممَا اضطره أن يركن لوحته قرب شجرة كبيرة آملاً أن يصطحبها معــه
عند عودته في سيارته.
بعد جهدٍ جهيد، وجد نفسه في ساحة الكوخ جانب سيارته . سعد كثيراً ولكنه لشــدَّما أدهشه هو وجود ملابس رطبة على الحبل لتتجفف.
داخل الكوخ، رأى هـرَّا تارة يلعق يده اليمنى وتارة أخرى اليسرى. بغتة ، تذكــر لوحته . أخرج مفتاح سيارته من جيبه وتوجه إلى الباب وإذ به يرى لوحتــه فــي الزاوية وبجانبها مطرقة ومسامير. ظلَّ واقفا في ذهول وفي اللحظة قرر أن يتــرك لوحته في الكوخ.
في الطريق، رجل متجها إلى الكوخ، رفع كلتا يديه مشيرا إليه أن يتوقف ولكن الرسام لم يره.
بلغ الرجل كوخه . حين رأى اللوحة معلقة داخل الكوخ همس بنفسه :" يا للروعة لا بــدَ أنه هو". أطرق قليلا ثم أردف قائلاًّ : " ويبدو أنه هو آكل السمكة، لكــن لـو أنه ترك لي حصة صغيرة منها ، كانت سمكة كبيرة وقد غدت بقايا فتافيت وماذا عن البطاطا؟ لماذا هي على ما كانت عليه، ربما يريد أن يخفف من أكل النشويات، آكلها أنا فأنا جائع" ثم أطلق قهقهة وقال " آمل أن يعود لزيارتي ثانية".