مقال الخميس 18-10-2012
النص الاصلي
باكراً ، كان باص القرية الوحيد يطوف بين الأحياء ليلتقط الطلاب والموظفين والعسكر من امام بيوتهم ..ويذهب بهم الى مجمع اربد حيث ينتشرون هناك كل الى وجهته ..و مع مرور الزمن ومحدودية عدد الركاب - "20" راكب بالتمام والكمال - صار يعرف الرجل مواعيد ابناء القرية ويعرفون هم مواعيده بالثانية ايضاً..
عند السادسة والربع ، أغلقت الفتاة بوابة الدار خلفها ، ووقفت قليلاً أمام "سنسلة" فاضل السعيد...وبعد لحظات ، اطل باص "الميتسوبيشي" برأسه من زاوية الحي وبدأ يتهادى حتى توقف أمامها..صعدت الفتاة..جلست في الكرسي الذي يلي كرسي السائق "محمد القاسم" بهدوء واتزان، ثم مشى ببطء..
بعد ان اكتمل نصاب الركاب العشرين.. انطلق "محمد القاسم" نحو الشارع الرئيس الواصل بين القرية والمحافظة بسرعة ، ولأن الشباك الذي على يساره كان مفتوحاً بالكامل .. وشماغه يطير نحو الركاب، لفه شماغه طولياً حول رأسه ودّس طرفه المهدّب في زاوية خده الأيمن .. لكن النسمة التشرينية الباردة بقيت تلسع الوجوه وتدمع العيون...انحنت الفتاة التي تجلس خلف "ابي قاسم" قليلاً ثم همست : عموه، ممكن تسكّر الشباك...!!..هز الحج "محمد القاسم" رأسه ووضع "الغيار" الثالث..وهو يتمتم بكلمات غامضة ..لم تفهم الفتاة بماذا أجابها...بعد قليل..تطاير شالها بسبب الهواء المتدفق بقوة من الشباك المفتوح ، فبدأت بترتيبه ولم أطرافه الهاربة ، ثم عادت ورفعت صوتها عله يسمع هذه المرة : عموه..ممكن تسكر الشباك اللي ع شمالك كثير "سقعة"!..نظر "ابو قاسم" بالمرآة، و قال لها بطولة بال: والله يا عمي هي هي..ثم وضع "الغيار الرابع" ، الطريق طويلة وكلما أضاف غياراً جديدا للسرعة..كلما تجمّدت انوف الركّاب من البرد خصوصاً ممن يركبون في الكراسي الأمامية ..حاولت الفتاة ان تغلق الشباك بيدها، ففشلت بسبب انحراف الإطار عن السكة ...فعاد وقال لها: لا تغلبي حالك عموه..هي هي..
عندها ارتفع صوت معظم الركاب" ( أي سكّر هالشباك يا حجي..متنا من السقعة..ولّ تجمدنا ..هالقد دمّك حامي..مشان الله تسكره) ..أوقف "ابو قاسم" الباص على يمين الشارع..ثم نهض عن كرسيه ..وسحب الشباك من مكانه ..واذ به اطار المنيوم فقط ، خالٍ من الزجاج تماما....ثم نطر اليهم وقال: " مش قنالكو هي.. هي"...
***
ونحن أيضا كلما سمعنا تصريحات الحكومة الجديدة بركّابها "العشرين" ..وقارنّاها بتصريحات الحكومة السابقة....نكتشف ان الحكومة: "هي ..هي"..حتى لو هيّب عليها البرواز...
احمد حسن الزعبي