وللمريض عدة حالات :
1 - إن كان مرضه يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تَلَفاً ولا مرضاً مخوِّفاً ولا إبطاء برءٍ ولا زيادة ألٍم ولا شيئاً فاحشاً ، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها ، أو من يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه - فهذا لا يجوز له التيمم ؛ لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه ، ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله .
2 - وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو ، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة ، فهذا يجوز له التيمم ، لقوله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ النساء : 29 ] .
3 - وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم .
4 - من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره من استعمال الماء فأجْنَبَ جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غَسْلَ الصحيح من جسده وجب عليه ذلك ويتيمم للباقي .
5 - مريض في محل لم يجد ماءًا ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منهما صلى على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة ، لقول الله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
- المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ويغسل ما يصيب بدنه ، ويجعل للصلاة ثوبَاَ طاهراً إن لم يشق عليه ذلك ؛ وإلا عُفي عنه ؛ لقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وقوله : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ البقرة : 185 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته .
ويبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء ، وبالقدرة على استعمال الماء ، أو وجوده إن كان معدوماً . . والله أعلم .
كيفية صلاة المريض : أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام ، له أن يصلي جالساً ، فإن عجز عن الصلاة جالساً ، فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه ، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن ، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : « صَلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب » - رواه البخاري - وزاد النسائي : « فإن لم تستطع فمستلقياً » ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام ، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع ثم يجلس ويومئ بالسجود ، لقوله تعالى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ البقرة : 238 ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « صَلِّ قائماً » ولعموم قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
وإن كان بعينه مرض فقال ثقات من علماء الطب : إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا - فله أن يصلي مستلقياً .
ومن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل السجود أخفض من الركوع ، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود ، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رَقَبَتَهُ ، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً ، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثرَ ما أمكنه ذلك . ومن لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول . ولا تسقط عنه الصلاة مادام عقله ثابتاً بأي حال من الأحوال للأدلة السابقة .
ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته . وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها ، ولا يجوز له تركها إلى دخول وَقْت مثْلها ليصليها فيه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك . » وتلا قوله : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [ طه : 14 ] .
ولا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال ، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته . فلا يجوز له ترك المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً ما دام عقله ثابتاً ، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته . فإذا تركها عامداً وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم ، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كُفْره بذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر » . ولقوله صلى الله عليه وسلم : « رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله » .
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما تيسر له ، إن شاء قدَّم العصر مع الظهر وإن شاء أخّر الظهر مع العصر ، وإن شاء قدَّم العشاء مع المغرب ، وإن شاء أخّر المغرب مع العشاء . أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها ؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها .
هذا بعض ما يتعلق بأحوال المريض في طهارته وصلاته .
كتاب [أحكام صلاة المريض] للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله