أنا مثل كل الناس؛ لا أحب أن أهان أو تٌمسَّ كرامتي، لكني في تلك المرة قبلت ألا أٌعتبرَ كرجل محترم؛ كؤوس، صحون، وكراسي تكسرت على رأسي، تشكيلة من صفعات ولكمات طالت وجهي، بل كل النعال التي تواجدت في مسرح الحدث داستني، باختصار نلت ما يناله الطبل يوم عيد ولم أحرك ساكنا؛ دعني أحكي لك ما حدث:
كان الوقت ليلا، وكنت عائدا من الحمام الشعبي بالحي القديم، سمعت صياح امرأة آت من إحدى المنازل، وكان لحنجرتها رنات استعطاف تلين قلوب الحجر:
- "وا! عباد الله، النجدة ...". فيرد عليها صوت جاهلي: - "سأشرب دمك..."
ركبتني نخوة العرب لإغاثة المستنجد؛ بكل حماس رميت حقيبتي التي كانت بها ملابسي المتسخة، خلعت عني جلبابي وطوحت به وراء ظهري، أخرجت من جيبي سكينا كبيرا؛ كنت أتسلح به للدفاع عن نفسي ضد قطاع الطرق، وفي الطريق التقطت عصا غليظة.
اقتربت من الباب المفضية إلى مصدر الاستغاثة فوجدته مغلقا، بشجاعة الفرسان الأشاوس ركلته بكل ما أوتيت من قوة حتى هوى أرضا؛ كي أخيف الهاجم على تلك السيدة المسكينة، وأثناء توغلي جريا داخل تلك الدار كنت أقلب وأكسر كل ما لاقيته من أثاث؛ كي أزيد من همتي وحماسي وأضعف معنويات الخصم المرتقب، ولما ولجت آخر غرفة (مصدر الاستنجاد) شاهرا عصاي وسكيني، اكتشفت أني وسط ثلاث عائلات في عائلة واحدة، تتابع - في أمان الله - فيلم رعب عبر شاشة التلفاز، وكل فرد منهم من الوزن الثقيل. وأما الصوت فلم يكن سوى صوت ممثلة يطاردها ممثل في سياق الأحداث.
لم أجد ما أبرر به حالتي لتلك العائلة سوى أني تأبطت عصاي وسكيني، وقلت بعدما صفقت:
- " "برافو"...أقنعتني الممثلة بأدائها، وكأن استغاثتها حقيقة".
أجابني رب العائلة بعدما شمر على ذراعيه المفتولتين:
- "ليس كل مل نسمعه حقيقة".
تأكدت أن جوابي لم يقنع أحدا، فنلت ما خبرتك به في بداية الحكاية.